• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / الرسائل العلمية / رسائل دكتوراة
علامة باركود

ترجيحات الإمام ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن" عرضًا ودراسة من سورة المائدة إلى آخر الآية (34) من سورة التوبة

آدم عثمان علي

نوع الدراسة: PHD resume
البلد: المملكة العربية السعودية
الجامعة: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
الكلية: كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية
التخصص: التفسير وعلوم القرآن
المشرف: أ.د. عبد الله بن عمر الشنقيطي
العام: 1425 هـ- 2004م

تاريخ الإضافة: 20/3/2023 ميلادي - 27/8/1444 هجري

الزيارات: 3598

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملخص الرسالة

ترجيحات الإمام ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن" عرضًا ودراسةً

من سورة المائدة إلى آخر الآية (34) من سورة التوبة


المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فإن الله عز وجل - " أنزل على عبده الكتاب هدىً وذكرىً لأولي الألباب، وأودعه من العلوم النافعة، والبراهين القاطعة: غايةَ الحكمة وفصلَ الخطاب؛ وخصَّه من الخصائص العلية، واللطائف الخفية، والدلائل الجلية، والأسرار الربانية، بكل عجبٍ عُجاب، وجعله في الطبقة العليا من البيان، حتى أعجز الإنسانَ والجان، واعترف أرباب اللسان بما تضمنه من الفصاحةِ والبراعةِ والبلاغةِ والإعرابِ والإغراب؛ ويسَّر حفظَه في الصدور، وضمن حفظَه من التبديلِ والتغيير، فلم يتغيّر، ولا يتغيَّرُ على طولِ الدهور وتوالي الأحقاب؛ وجعله قولًا فصلًا، وحَكَمًا عدلًا، وآيةً بادية، ومعجزةً باقية: يشاهدها من شهد الوحي ومن غاب؛ وتقوم بها الحجةُ للمؤمن الأوَّاب، على الكافرِ المرتاب، وهدى الخلقَ بما شرع فيه من الأحكام، وبيَّن الحلالَ والحرام، وعلَّم من شعائرِ الإسلام، وصرَّف من النواهي والأوامرِ والمواعظِ والزواجر، والبشارةِ بالثواب، والنذارةِ بالعقاب، وجعل أهلَ القرآن أهلَ الله وخاصتَه، واصطفاهم من عباده، وأورثهم الجنةَ وحسنَ المآب "[1].

 

لهذا أدرك العلماء - قِدْمًا - أن علمَ القرآنِ العظيم: هو أرفع العلومِ قدرًا. وأجلُّها خَطَرًا، وأعظمُها أجرًا، وأشرفُها ذكرًا؛ مما حدا بهم إلى الاشتغال بخدمةِ القرآن وتعلمِه وتعليمِه، فصنفوا فيه التصانيفَ المختلفةَ الأوصاف، المتباينةَ الأصناف.

 

فمنهم من قصد إلى رواية الآثار المتعلقة بالآيات الكريمة، ومنهم من صرف عنايتَه إلى استنباطِ الأحكامِ الفقهية، وطائفةٌ اشتغلت ببيان غريبه وإعرابه، وآخرون نقَّبوا عن لطائفه ونكاته، فأظهروا بلاغتَه وروائعَ بيانه.

 

ومن هؤلاء الذين لهم الباع الطويل في خدمة التنزيل الإمام القاضي أبو بكر ابن العربي الحافظ، الفقيه، الأصولي، المفسر...

 

قال تلميذه القاضي عياض عنه: " قيّد الحديث، واتسع في الرواية، وأتقن مسائلَ الخلاف والأصولِ والكلامِ على أئمة هذا الشأن"اهـ.

وقال عنه ابن بَشْكَوال: " الإمام العالم الحافظ، المستبحر ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها، كان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها، والجمع لها، متقدمًا في المعارف كلَّها، متكلمًا في أنواعها ناقدًا في جمعها، ثاقبَ الذهن في تمييز الصواب فيها"اهـ.

 

وكان التفسير أكبرَ علمٍ صرف القاضي فيه جهدَه ووقتَه في تحرير مسائله، وليس من الغلو في القول إذا قيل: إنَّ جلَّ عطاه العلمي صرفه إلى التفسير؛ إذ أملى كتابه " أنوار الفجر في مجالس الذكر " الذي يُعَدُّ من أكبر الموسوعات العلمية في مجالس التفسير عرفها تاريخُ هذا العلم، فقد ذكر القاضي أنَّه ألَّفه في عشرين عامًا، وأنَّه يقع في ثمانين مجلدًا، كلُّ مجلد يحوي ألفَ ورقة، أملاه في مجالسه العامة التي كان يعقدها للتذكير والوعظ، فكان كُلَّما فرغ من مقدار منه تناوله تلاميذه فتناسخوه فتفرق بأيدي الناس.

 

قال - رحمه الله -: " وقد كناَّ أملينا فيه (التفسير) في كتاب "أنوار الفجر" في عشرين عامًا ثمانينَ ألف ورقة، وتفرقت بين أيدي الناس، وحصل عند كل طائفة منها فن، وقد ندبتهم إلى أن يجمعوا منها ولو عشرين ألفًا، وهي أصولها التي ينبني عليها سواها، وينظمها على علوم القرآن الثلاثة: التوحيدِ، الأحكام، التذكير؛ إذ لا تخلو آية منه بل حَرْفٌ عن هذه الأقسام الثلاثة".

 

وخصَّ الأحكام من بين علوم القرآن بهذا الكتاب الذي قلَّ أن ترى العينُ مثلَه في نسجه وإحكامه كما قال الذهبي: " وفسَّر القرآن المجيد فأتى بكل بديع " اهـ.

 

هذا، وإنَّ من المباحث التي تسترعي الانتباه: ما يقوم به القاضي - رحمه الله - من مناقشات لبعض المعاني المختلفة، والاستنباطات المتباينة في آي الذكر الحكيم، وترجيح ما يراه راجحًا؛ لذا صحَّ مني العزم على أن يكون موضوعُ بحثي؛ لنيل درجة العالِمية العالية " الدكتوراه" تلك المسائل التي للقاضي فيها مذهب ظاهرٌ وأسميته:

ترجيحاتِ الإمام ابن العربي في كتابه أحكام القرآن

عرضًا ودراسةً

من سورة المائدة إلى آخر الآية (34) من سورة التوبة

مشاركةً مني في البحث الذي قام به الزميل الشيخ/ محمد سيدي عبد القادر في هذا الموضوع.

أسباب الاختيار:

الدوافع إلى اختيار هذا الموضوع كثيرة منها:

1- أهمية الموضوع؛ وذلك أنَّه قد كثرت المؤلفات في التفسير بيد أنَّ الذين اهتموا بذكر الراجح قلة قليلة، ومن هؤلاء القاضي ابن العربي - رحمه الله - في كتابه (أحكام القرآن).

 

2- مكانة مؤلف الكتاب؛ فهو إمام مفسر، محدثٌ، فقيه، أصولي، لغوي، أديب، ناقد، ويشهد لتضلعه بتلك العلوم كتابه هذا، كما يشهد بذلك المترجمون له. فهذه الكفاءة تكسب الترجيحَ قوة.

 

3- مكانة الكتاب وقيمته العلمية بين كتبِ التفسير عامة، وكتبِ الأحكام خاصة.

 

ويتلخص ذلك في وجوه:

أحدها: كونه أحدَ المصنفات الكبار في هذا اللون من التفسير (التفسيرِ الأحكامي).

 

ثانيها: جودة عرض المؤلف لمادته؛ إذ يذكر الآية، ويقسم الكلامَ عنها إلى مسائل عدة، مضمنًا كلَّ مسألة ما فيها من أقوال، ثم يقوم بنخلها[2] وتنقيحها[3] - أحيانًا - ويرجح ما يراه راجحًا في الأعمِ الأغلب.

 

ثالثها: أنَّه إلى جانب بيانه لآيات الأحكام يذكر أسبابَ النزول، والأحاديثَ المرفوعةَ في معاني الآيات، والأحكامَ ذات الصلة بالآي - تصحيحًا وتضعيفًا - والناسخَ والمنسوخ، والمسائلَ اللغوية، والأصوليةَ، إلى غير ذلك من العلوم التي لها مساسٌ بالآيات التي تناولها تفسيرًا.

 

4- البحث عن معرفة الراجح في معاني الكتاب العزيز وأحكامه من أهم مقاصد تحصيل العلم الشرعي، لذا كان الاشتغال به من أوجب الواجبات على طالب العلم.

 

5- هذا الموضوع يمثل لونًا من ألوان التفسير، وهو المسمى بـ "التفسير المقارن" الذي يعرض النصوص والآراء، ويوازن بينها، ويبين الراجح ويرد المرجوح.

 

6- كما أنَّه يسهم كثيرًا في تحقيق القول الصواب في كثير من المسائل المختلف فيها في المعاني والأحكام، فعندما نطالع كتب التفسير والأحكام نجد حشدًا كبيرًا من الأقوال؛ منها الصحيح، ومنها الضعيف الذي لا دليل عليه، أو لا دلالة عليه فيما يذكر دليلًا له.

 

7- كما أنَّ هذه الدراسة تكشف عن وجوه الخطأ في الأقوال المرجوحة بطريقة علمية دقيقة، وتبرز المنهج الأمثل في مجال الترجيح.

 

8- تتيح هذه الدراسة للباحث الوقوف على كم كثير من كتب التفسير والحديث والفقه والأصول واللغة تبعًا لتنوع المسائل التي يعرض لها القاضي، مما يكسب الطالب توسعًا في المعارف الإسلامية.

 

9- إنَّ المؤلف - رحمه الله - قد يرجح أحيانًا بعض الأقوال دون أن يذكر دليله، مما يجعل الكشف عن ذلك المرجح - باسم الفاعل - تكميلًا لمقصود الكتاب.

 

10- كما أنَّه يرد أحيانًا القول المرجوح دون بيان مُسوِّغ الرد، مما يجعل الإفصاح عن علة الضعف متطلبًا علميًا.

خطة البحث:

اقتضت طبيعة الموضوع أن تكون خطَّته على مقدمة وقسمين وخاتمة وفهارس.

 

المقدمة: وفيها:

أ- التنويه بالقرآن الكريم.

ب- أسباب اختيار الموضوع.

ج- خطة البحث.

د- المنهج في كتابة هذا البحث.

هـ- التعريف بالمصطلحات الواردة في الرسالة.

و- شكر وتقدير.

 

القسم الأول: ترجمة موجزة للإمام ابن العربي، مع دراسة منهجه في الترجيح، ومصادره في مسائله، وذكر من أفادوا منه وتأثروا به.

 

وتحته ثلاثة فصول:

الفصل الأول: في ترجمة موجزة عنه، وفيه مباحث:

المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه.

المبحث الثاني: مولده ونشأته.

المبحث الثالث: حياته العلمية ورحلاته.

المبحث الرابع: أشهر شيوخه.

المبحث الخامس: أشهر تلاميذه.

المبحث السادس: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.

المبحث السابع: منهجه العقدي.

المبحث الثامن: أشهر مؤلفاته.

المبحث التاسع: وفاته.

الفصل الثاني: في دراسة منهجه في الترجيح، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تعريف الترجيح.

المبحث الثاني: ألفاظُ الترجيح وأساليبُه عند القاضي ابن العربي.

المبحث الثالث: قواعد الترجيح التي أخذ بها القاضي في مسائله مع ذكر نماذج لذلك.

الفصل الثالث: في ذكر مصادره ومن أفادوا منه وتأثروا به، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: مصادره في مسائله.

المبحث الثاني: من أفادوا منه وتأثروا به.

القسم الثاني: في عرض المسائل التي وقع فيها الترجيح من خلال كتابه (أحكام القرآن) ودراستها وتحليلها مرتبةً حسب ترتيب القرآن الكريم من سورة المائدة إلى آخر الآية (34) من سورة التوبة. كما يلي:

1- سورة المائدة.

2- سورة الأنعام.

3- سورة الأعراف.

4- سورة الأنفال.

5- سورة التوبة.

الخاتمة: وذكرت فيها أهم النتائج التي تمخض عنها البحث.

الفهارس: وضعت بعض الفهارس العلمية تسهيلًا للاستفادة من محتويات الرسالة، وهي:

1- فهرس الآيات القرآنية.

2- فهرس الأحاديث والآثار.

3- فهرس الأعلام.

4- فهرس الأماكن والبلدان.

5- فهرس الأشعار.

6- فهرس الغريب.

7- فهرس المصادر والمراجع.

8- فهرس الموضوعات.

منهج البحث:

سلكت لدراسة هذا الموضوع منهجًا تبدو معالمه فيما يلي:

الأول: قمت بقراءة الكتاب (أحكام القرآن) من سورة المائدة حتى التوبة، فاستخرجت المسائل التي كان للقاضي - رحمه الله - فيها رأيٌ ظاهر، واختيارٌ جلي.

 

الثاني: كتبت الآية التي هي محل الدراسة، ثم أردفتها بالمسائل التي تضمنتها، معنونًا لكلِّ مسألةٍ بما يناسب معناها وفقهَها.

 

الثالث: عرضت الأقوال في كل مسألة حسبما يذكره القاضي - رحمه الله - ونصصت على القول الراجح عنده.

 

فإن ترك قولًا ذا بالٍ أشرتُ إليه في الحاشية.

 

الرابع: التزمت نصَّ القاضي في عرض المسألة إن كانت المسألة في عرضه واضحة المعالم، وذلك فيما يقول فيه: اختلف العلماء في كذا على أقوال ثم يسردها مرتبةً.

 

أما إن سلك بعرضه مسلك الردِّ والمناقشة فتصرفت في عرضها تهذيبًا وتلخيصًا وتوضيحًا.

 

الخامس: فصلت بين عرض المسألة والحديث عنها، وبسط الأدلة وإيراد المناقشات بقولي: " التعليق والإيضاح ".

 

السادس: أرجأت مناقشات القاضي للأقوال المخالفة إلى التعليق، مميزًا حديثي من كلامه.

 

السابع: ذكرت في صدر التعليق منشأ الخلاف في المسألة ناسبًا إياه إلى قائله أو المصدر الذي اقتبسته منه، فإن لم أجد من نصَّ عليه ولاح لي من خلال الأدلة والمناقضات ذكرته من قولي، وآيته أن أذكره مرسلًا دون عزو.

 

وربما بدأتُ بعرض المسألة من الأحكام إن كان القاضي - في عرضه - داخل بين أقوالها، أو عرضها بصفة تغاير المعهود عند الفقهاء.

 

الثامن: عَقَّبت بالتعليق على الأقوال بذكر أدلتها كما يقررها أصحابها، وناقشتها بما ذلك القولُ المختار عند القاضي - رحمه الله -.

 

التاسع: ذكرت دليلَ القاضي فيما ذهب إليه من كلامه، وزدت في الاستدلال لما ذهب إليه من كتب التفسير والخلاف.

 

العاشر: أظهرت مستند القاضي فيما يختار إن أرسل اختياره دون مُسَوِّغ.

 

الحادي عشر: ذكرت أشهر من وافقه من المفسرين على اختياره إن كانت المسألة من قبيل المعاني، وإن كانت من مسائل الفروع اكتفيت ببيان المذاهب الأربعة، وربما ذكرت آراء بعض المجتهدين.

 

الثاني عشر: بَيَّنت الأقوالَ المرجوحة، ووجهَ ضعفها من كلام القاضي أو من كلام غيره من المحققين، فإن لم أجد اجتهدت في بيانه.

 

الثالث عشر: ذكرت أدلةَ لأقوالِ المسكوتِ عن أدلتها، مع بيان حالها قوةً وضعفًا.

 

الرابع عشر: ناقشت القاضي فيما أُرى أنَّه جانب فيه الصواب، وبينت الراجحَ بدليله، مع ذكر من ذهب إليه من الأئمة الأعلام.

 

الخامس عشر: لخَّصت حاصل كلِّ مسألة عند نهاية العرض والمناقشة، وأفصحت عماَّ يظهر لي راجحًا، موافقًا له أو مخالفًا.

 

السادس عشر: قمت بتوثيق الأقوال إن كانت معزوة، وذلك بالإحالة إلى مؤلفيها إن كانوا من ذوي التصنيف، أو إلى مظانها من تفسير وأحكام.

 

فإن أعاني طلب ذلك - وهو قليل - اكتفيت بالقول: لم أقف عليه فيما اطلعت عليه.

 

السابع عشر: نسبت الأقوال إلى قائليها إن أغفل القاضي عزوها إلى قائليها.

 

الثامن عشر: عزوت الآيات إلى سورها وكتبتها بالرسم العثماني.

 

التاسع عشر: خرجت الأحاديث الواردة في البحث وأَبَنْت حالها من صحة وضعف لا سيما إن ذكرت على سبيل الاحتجاج بها.

 

العشرون: نظرتُ في أسانيد تفسير الصحابة وأقضيتهم خاصة، وعاملتها معاملة الخبر المرفوع؛ وذلك لمكان الاحتجاج بتفسيرهم وقضائهم.

 

الحادي والعشرون: قمت بشرح الكلمات الغريبة.

 

الثاني والعشرون: عَرَّفت بالأعلام، وأوجزت في تراجمهم، ولم أترجم للمشهورين عند طلاب العلم.

 

الثالث والعشرون: عزوت الشواهد الشعرية إلى قائليها ما أمكنني ذلك.

التعريف ببعض المصطلحات المستخدمة في الرسالة:

عوّلت على ثلاث نسخ لأحكام القرآن للقاضي ابن العربي:

الأولى: نسخة/ علي محمد البجاوي، نشر دار المعرفة ط/ الثالثة، ورمزت لها بحرف ج.

 

الثانية: نسخة/ محمد عبد القادر عطا، نشر دار الفكر ط/ الأولى، ورمزت لها بالحرف ع.

 

الثالثة: نسخة/ عبد الرزاق المهدي، نشر دار الكتاب العربي ط/ الأولى، ورمزت لها بالحرف م.

 

وأحلت إلى النسخ الثلاث في توثيق كلّ مسألة من كتاب الأحكام، فأقول مثلا: أحكام القرآن ج (2/ 524)، ع (2/ 5)، م (2/ 6).

 

هذا في مسائل الكتاب، أما في القسم الدراسي الأول فاكتفيت بالإحالة إلى نسخة البجاوي.

 

وقوّمت نصّ النسخ الثلاث - في بضع مسائل - من الطبعة الحجرية، وهي الطبعة الأولى للكتاب، وذلك قبل حيازتي لنسخة خطية بدار الكتب المصرية، ورغبت عن الإحالة إلى النسخة الحجرية لكونها غير متاحة للتداول.

 

• أختزل اسم المصدر أو المرجع طلبًا للاختصار فأقول مثلا: الجامع؛ أي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي. البدائع؛ أي بدائع الصنائع للكاساني. الروضة؛ أي روضة الطالبين للنووي. الفتح؛ أي فتح الباري لابن حجر. الإملاء؛ أي إملاء ما منّ به الرحمن للعكبري. اللسان؛ أي لسان العرب لابن منظور، في نظائر من ذلك من كتب التفسير والأحكام وشروح الحديث واللغة.

 

• وقد أكتفي بذكر المؤلف دون ذكر كتابه، فأقول مثلا: الطبري؛ أي في تفسيره جامع البيان. الجصاص؛ أي في أحكام القرآن. إلكيا الطبري؛ أي في أحكام القرآن له. البيضاوي؛ أي في تفسيره أنوار التنزيل، في نظائر لا تخفى على طالب العلم.

 

وفي حالة تشابه أسماء الكتب أميِّز بينها إطلاقًا وتقييدًا، من ذلك:

1- كتاب الإشراف على نكت مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب، مع الإشراف على مذاهب أهل العلم لابن المنذر، فحين أقول: الإشراف مطلقًا فهو للقاضي عبد الوهاب، ولا أحيل إلى الثاني إلاّ مقيدًا فأقول: الإشراف لابن المنذر.

 

2- كتاب رؤوس المسائل الخلافية للزمخشري، مع رؤوس المسائل الخلافية لأبي المواهب الحنبلي، فعند الإطلاق فهو للزمخشري، وحين أنقل عن الثاني أقول: رؤوس المسائل لأبي المواهب منسوبًا إليه.

 

3- التمهيد لابن عبد البر، مع التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب، فحين أطلق فهو لابن عبد البر، ولا أنقل عن الثاني إلاّ مضافًا إليه.

 

4- المحرر الوجيز لابن عطية، مع المحرر في الفقه لابن تيمية الجد، فعند النقل عن الأول أقول: المحرر الوجيز أو المحرر لابن عطية أو المحرر مطلقًا دون إضافة، أما إن نقلت عن الثاني فأقول: المحرر في الفقه.

 

5- البحر المحيط لأبي حيان، مع البحر المحيط للزركشي، فحين أطلقه فهو للأول، وربما قلت: البحر المحيط لأبي حيان، ولا أذكر الثاني إلاّ مضافًا فأقول: البحر المحيط للزركشي، على أنّ اللبيب يميّز بين الكتابين من المادة فالأول في التفسير، والآخر في المباحث الأصولية.

 

6- فتح القدير لابن الهمام، مع فتح القدير للشوكاني، فحينًا أطلقت العزو إليهما فأقول: فتح القدير، معتمدًا على فطنة القارئ؛ وذلك إن كانت المسألة في الفروع فهو لابن الهمام، وإن كانت في التفسير فهو للشوكاني، وربما قيدت حينًا آخر فأقول: فتح القدير لابن الهمام، فتح القدير للشوكاني.

 

• وقد أذكر اسم الكتاب دون مؤلفه؛ نظرًا لاشتهاره به كقولي: الكشاف أي للزمخشري، معالم التنزيل، أي للبغوي، أنوار التنزيل، أي للبيضاوي، وهكذا.

 

شكر وتقدير:

هذا. وأشكر المولى سبحانه وأثني عليه الخير كلَّه، على ما منَّ به علينا من نعمة الإسلام، وسلك بنا سبيلَ العلم، ويسَّر وأعان على إتمام هذا البحث؛ فله تعالى الحمدُ حتى يرضى، وله الحمد بعد الرضى.

 

وإليه - وحده - أرغب في العفو عمَّا عسى أن يكون قد هفا به القلم، أو زلت به القدم.

 

وأُثنِّي بشكر من كانا السبب في وجودي ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14].

 

فلهما مني فائق الشكر والامتنان، إذ ربياني صغيرًا، وأحاطاني بالرعاية حتى غدوت كبيرًا، ووجهاني التوجيه الحسن نحو طلب العلم الشرعي، وتحملا فراقي وطول اغترابي حتى وافتهما المنية آلا رحم الرحمن غربتهما وآنس وحشتهما.

 

وأثلث بشكر القائمين على هذا الصرح العلمي المبارك؛ على ما أتاحوه لي من فرصة الدراسة، و هيأوا لي ولزملائي من أبناء الأمة الإسلامية من أسباب التحصيل العلمي.

 

واللهَ أسأل أن يبارك في سعيهم ويجزل مثوبتهم على ما يقدمونه من خدمةٍ للإسلام وأهله.

 

وأصل بالشكر فضيلةَ شيخي الأستاذ د/ عبدَ الله بنَ عمر الشنقيطي المشرف على هذه الرسالة على ما بذله من ثمين وقته، وسعة صدره، وما أولانيه من الملاحظات المفيدة، والتوجيهات السديدة، فجزاه الله عني خير الجزاء، وأطال في عمره ومتعنا به، وبارك في علمه وعقبه.

 

وأتقدم بجزيل الشكر والامتنان إلى مشائخي وزملائي أعضاءِ القسم على تعاطفهم الكبير في سبيل اعتماد هذا العمل، حين حالت الظروف عن دَرَك التمامِ والنهاية، وأدركني الوقتُ دون بلوغِ الغاية.

 

ولولا لطف العليم الخبير، ثم وقوفهم إلى جانبي إذ ذاك لما قمتُ مقامي هذا.

 

فالله أسأل أن ييسر لهم كلَّ عسير فإن الجزاء من جنس العمل.

 

ولولا ظروف أحاطت وقارنت البناء من أول يوم لكان بالإمكان أحسنُ مما كان، والحمد لله على كل حال ونعوذ به من حال أهل النار.

 

هذا. وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين وإمام المرسلين وعلى أهله وصحبه أجمعين.

 

الخاتمة:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعونه وتوفيقه تقضى الحاجات، وبمحض فضله ترفع الدرجات، وبعفوه تمحى السيئات، وتغفر الزلات، وَبَعْدُ:

فقد عشت مع القاضي أبي بكر - رحمه الله - مسائله في هذا الجزء من كتابه الأميز في بابه، والأظهر من بين أقرانه حتى أتيت على ختامه، فاقتضت الحال أن أسجل بعض النتائج التي يمكن استخلاصها من هذا البحث فيما يلي من نقاط:

1- مادة الكتاب العلمية.

اشتمل كتاب (الأحكام) للقاضي على مادة غزيرة تلونت معارفها، وتعددت فنونها.

 

أ- فهو كتاب زاخر بالمعاني اللغوية، ينبه على أصل الاشتقاق لكلمات القرآن ليحتكم إليه عند الخلاف.

 

ويقرر الوجوه الإعرابية الصحيحة؛ لِيُعَوَّل على صحيح الأقوال عند الن-زاع في المعاني؛ فما جرى وَفْقَ الصناعة النحوية يعتمد، وما خالفها يهجر ويستبعد.

 

فهو من هذه الحيثية كتاب تفسير بديع في نسجه، فريد في بابه.

 

ب- وهو كتاب حافل بمسائل الخلاف وفروع الشريعة ينتزع الأحكام من الألفاظ وَفْق منهجية مؤصلة تصدر عن القواعد الأصولية التي هي الأدلة الإجمالية.

 

كما يُؤصل للخلاف، ويوضح الأدلة، ويبين مآخذ الأقوال، ويعلل الراجح والمختار.

 

فهو من هذه الجهة موسوعة فقهية مقارنة ومحررة، بل هو كتاب في تخريج الفروع على الأصول.

 

ج- وهو كتاب زاخر بالأحاديث النبوية والآثار عن سلف الأمة، يعرضها على آي القرآن، ويعتبرها بها، ويتحرى الجمع بينهما، وعند التعارض يرجح بينهما وَفْق ضوابط لا يتناقض قانونها، ولا يتخلف حكمها.

 

فهو من هذا الوجه كتاب جمع السنةَ وَفِقْهها.

 

وبالجملة فإنَّ مادة هذا الكتاب أعطت انطباعًا حاصله:

أن القاضي ابن العربي إمام مفسر بارع ناقد، وفقيه متضلع مجتهد، وأصولي نَظَّار، ومحدث حافظ، ولغوي متقن متفنن.

 

2- أصول الأدلة التي عوَّل عليها القاضي، وعنها صدر في مسائله وتقريراته:

الأصل الأول: الكتاب.

إذا وجد القاضي في مسألة ما نصَّ كتاب لا يعدوه إلى غيره، بل يأخذ به؛ لأنه أصل الشريعة، ومصدر أحكامها، ويقدمه على غيره، هذا إذا كانت دلالته نصية أو ظاهرة، فإن كانت دلالته خفية انتقل إلى الأصل الثاني - كما سيأتي إن شاء الله تعالى -.

 

ونرى الأخذ بهذا الأصل في عامة مسائله، ومن أمثلته جواز الصيد بكل جارح من كلب وطير لظاهر قوله تعالى: ﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ﴾ [المائدة: 4].

 

وتعين القصاص على الأعور يفقأ عين الصحيح لظاهر قوله: ﴿...وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ﴾ [المائدة: 45].

 

ووجب التسمية عند الذبح لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ [الأنعام: 121].

 

الأصل الثاني: السنة.

أخذ القاضي بالسنة كأصل من أصول الاستنباط بل يراها - وهو الحق - أنها من الوحي وأنها لا تقل شأنًا في البيان والأحكام عن القرآن المجيد، وفي ذلك يقول عند قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 1] ((... والحق أن المتلو كل محرم في القرآن أو السنة؛ لأن كل متلو جاء عن الله وعن رسوله فهو متلو عن الله، غير أنَّ ما كان معجزًا فهو القرآن، وما ليس بمعجز فهو سنته - صلى الله عليه وسلم -.

 

بل يقول في مقدمة كتابه: ((ونقابلها - أي المسائل - في القرآن بما جاء في السنة الصحيحة ونتحرى وجه الجميع؛ إذ الكل من عند الله، وإنما بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - ليبين للناس ما نزل إليهم...)).

 

بل يقرر في المحصول: أنَّ السنة الجلية مقدمة في العمل على ما خفيت دلالته من القرآن قال - رحمه الله -: ((القرآن هو الأصل؛ فإن كانت دلالته خفية نُظِر في السنة، فإن بيَّنَته وإلاَّ فالجلي من السنة)).

 

وعنده - وهو الحق - أنَّّ السنة القولية أصل يجب الرجوع إليها والأخذ بها متى صحت، وَيَعُد ثبوتها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كاف في ثبوتها والعمل بها وفي مثل ذلك يقول: ((إذا كان المحرم محرمًا بدخول حرم الموتية لم يجر له الاصطياد فيه كحرم مكة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إنَّ إبراهيم عبدك وخليلك حرم مكة، وإني أحرم المدينة بمثل ما حرَّم به إبراهيم مكة ومثله معه لا يقطع عضاها ولا يصاد صيدها)).

 

أمَّا السنة الفعلية فهو عنده حجة أيضًا لكن على التفصيل وذلك أنها تعدد مواردها فتارة تكون بيانًا لمجمل، ومرة ترد في منشأ القربات، وأخرى ترد فيما سبيله الجبلة الآدمية، ويجب من ذلك ما كانت بيانًا لمجمل واجب فتكون واجبة وذلك كأفعال الصلوات والحج، وبنى على هذا الأصل: وجوب ترتيب أفعال الوضوء فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يتوضأ إلا مرتبًا فكان ترتيبه واجبًا؛ لأنه بيَّن به الواجب.

 

الأصل الثالث: الإجماع.

الإجماع أصل من أصول الشريعة يحتج به باتفاق أهل العلم، بل وَيُعَدُّ أصلًا من أصول الاستنباط يصح الاحتجاج بموضعه على ما اختلفوا فيه.

 

والقاضي يكثر من حكاية الإجماع في مسائل الخلاف؛ لأنه حجة قاطعة يحرم خلافها متى ثبت إجماع أهل كل عصر من أعصار المسلمين، وخاصة إجماع الصحابة والصدر الأول.

 

غير أنَّ الملاحظ عند القاضي في حكايته للإجماعات أنَّه لا يعتد بخلاف أهل الظاهر القائم على إنكار القياس، ذلك أنَّ القياس أصل من أصول الشريعة كما يقرره القاضي.

 

الأصل الرابع: القياس.

القياس أصل من أصول الاستنباط عند الجمهور، وخالف في ذلك أهل الظاهر فأبطلوه وهم محجوجون بأقيسة الصحابة - رضي الله عنهم -؛ لهذا فإنَّ القاضي يَعُدُّ القياس أصلًا من أصول الدين وقاعدة من قواعده الأساسية فضلًا عن أي يسوغ في فروعها.

 

يقول - رحمه الله - عقب حكايته فعل عثمان - رضي الله عنه - ومن معه في ترتيب المصحف، ووضعهم التوبة مقرونة بالأنفال، وتعليلهم ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبض ولم يبين لهم شيئًا في ذلك، ووجدوا أن قصة السورتين متشابهة: ((في هذا كله دليل على أنَّ تأليف القرآن كان من-زلًا من عند الله، وأن تأليفه من تنزيله يُبَيِّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه، وَيُمَيِّزه لكتابه، ويُرَتِّبه على أبوابه، إلا هذه السورة فلم يذكر لهم فيها شيئًا؛ ليتبين الخَلْقُ أنَّ الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يسأل عن ذلك كله، ولا يعترض عليه... ودلَّ بذلك على أنَّ القياس أصل في الدين؛ ألا ترى إلى عثمان وأعيان الصحابة كيف لجأوا إلى قياس الشبه عند عدم النص، ورأوا أنَّ قصة (براءة) شبيهة بقصة (الأنفال) فألحقوا بها؟ فإذا كان الله قد بَيَّن دخول القياس في تأليف القرآن فما ظنُّك بسائر الأحكام)) اهـ.

 

والقاضي - رحمه الله - أكثر من الأخذ بالقياس حين يعوزه النقل وخاصة قياس الأولى.

 

ومن أمثلته: احتجاجه على قطع سارق الصبي، فإنَّه يعتبر العلة التي أوجبت القطع في المال أولًا وهي: تعلق النفس به، وعليه فإن تعلق النفوس بالولد أعظم فأحرى أن يقطع به، قرر ذلك مقابلًا به قول الجمهور الذين اعتمدوا في عدم قطعه أنه ليس بمال.

 

ومن أمثلته أيضًا: منع الكفار دخول المساجد قاطبة طردًا للعلة المنصوصة في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ﴾ فعنده يقاس منع كل كافر من دخول أي مسجد ما دامت العلة قائمة وهي نجاسة الكافر.

 

ونراه كثيرًا يلقى باللائمة على من يعتمد الألفاظ ولا يأخذ بالعلة مع قيامها.

 

الأصل الخامس: عمل أهل المدينة.

الاحتجاج بعمل أهل المدينة من الأصول التي انفرد بها مالك - رحمه الله -، والقاضي ابن العربي كغيره من المالكية يحتج بعمل أهل المدينة، وقد تبين في مسألة الاستحسان من سورة الأنعام أنَّه يتفاوت في القوة فتارة يكون حجة قطعية وأخرى يكون ظنية إلا أنَّ القاضي - رحمه الله - ممن يطلق القول في الاحتجاج به، لكنَّه لا يقدمه على النصوص بل يرجح به، بل وَيَخُصُّ به عموم الأدلة.

 

وقد احتج به في موارد الاستحسان، وذلك أنَّ القياس الذي يقتضيه الدليل العام يترك عند القائلين بالاستحسان للأدلة الخاصة التي أوجبت ذلك، ومنها عمل أهل المدينة، لهذا كان عمل أهل المدينة أحدَ الأدلة التي يقوم عليها الاستحسان عند أصحاب مالك.

 

ومن أمثلته: ترك القراءة خلف الإمام فيما يجهر به؛ لأنه عمل أهل المدينة وإن كانت بعض النصوص تدل على قراءة الفاتحة حتى في حالة الجهر.

 

الأصل السادس: الاستحسان.

يَعْتد القاضي بالاستحسان؛ لأن حقيقته عنده: العمل بأقوى الدليلين، كما يقول في تعريفه، ويرى أنَّ أمر الاستحسان قائم على رعاية مقاصد المكلفين من جلب المصالح ودفع المضار، بل ويرى أنَّ حقيقة الخلاف فيه هو القول بتخصيص العلل، وعنده: أنَّ من لم يأخذ بالمصلحة ولا يرى تخصيص العلل لم يفهم الشريعة، وهو بذلك يُعَرِّض بالشافعي - رحمه الله -.

 

وقد بسط هذا المعنى في سورة الأنعام عند مسألة الاستحسان.

 

الأصل السابع: المصلحة المرسلة.

الأخذ بالمصالح من أصول مذهب مالك، ويَعُدها القاضي من موارد الاستحسان، لهذا كان عنده من مصادر الشريعة، وَيُعد من أهملها من الفقهاء مقصرًا في نظره أو أنه لم يلحظ الشريعة بعين مالك، ومن ذلك قوله في مسألة التحكيم:

((وأذن في التحكيم تخفيفًا عنه - أي القاضي - وعنهم في مشقة الترافع لتتم المصلحتان، وتحصل الفائدتان، والشافعي ومن سواره لا يلحظون الشريعة بعين مالك، ولا يلتفون إلى المصالح، ولا يعتبرون المقاصد، وإنما يلحظون الظواهر وما يستبطون منها)) اهـ.

 

الأصل الثامن: سد الذرائع.

القول بسدِّ الذريعة من أصول مذهب مالك وأحمد، وهو من الأدلة المبنية على النظر في مآلات الأمور؛ فإن كانت المصلحة لا يحك لها إلا بالنظر إلا بالنظر إلى مآلاتها كذلك المفسدة لا تأخذ حكمها إلا بما تؤول إليه.

 

ويعيب القاضي على من لم يأخذ بهذا الأصل، ويقرر أنَّه لم يأخذ به إلا مالك وتابعه عليه أحمد في بعض الروايات.

 

ومما بناه على هذا الأصل: القول بعدم تكرار الجماعة في مسجد واحد سدًا لذريعة تشتيت الكلمة وإيقاع الخلاف، ويعلله بقوله: ((إن المقصد الأكثر والغرض الأظهر من وضع الجماعة تأليف القلوب والكلمة على الطاعة وعقد الذمام والحرمة بفعل الديانة حتى يقع الأنس بالمخالطة، وتصفوا القلوب من وضر الأحقاد والحسادة، ولهذا المعنى تفطن مالك - رضي الله عنه - حين قال: إنَّه لا تصلى جماعتان في مسجد واحد، ولا بإمامين، ولا بإمام واحد خلافًا لسائر العلماء...)).

 

الأصل التاسع: شرع من قبلنا.

القاضي كثير الأخذ بهذا الأصل في الاستنباط والاستدلال بل ويرى أنَّه يلزم العمل بشرع من قبلنا حتى يقوم الدليل على تركه وخلافه.

 

وفي اعتماد هذا الأصل يقول: ((وشرع من قبلنا شرع لنا على ما بيناه في أصول الفقه وفي كتابنا هذا عندما عرض منها ما يكون مثلها، ولما كان أصل مالك ذلك - وهو الصحيح - ركبنا عليه المسائل لكونه من واضحات الدلائل)).

 

ومن الأحكام التي اعتمد فيها على هذا الأصل: رجم اللائط (فاعلًا ومفعولًا به) لأنَّ الله أخبرنا عن قوم فعلوه وع عقوبته فيهم بالرمي بالحجارة فوجب أن يتعظ بقوله، ويمتثل فعله في أضرابهم قال: ((وهذا يدلك على أنَّ مالكًا رأى أن شرع من قبلنا شرع لنا بلا خلاف)).

 

هذه جملة الأصول التي رأيت القاضي - رحمه الله - طبقها في هذا الجزء موضع الدراسة ونبَّه عليها.

 

3- أهم قواعد الترجيح التي اعتمدها القاضي عند الخلاف.


يعتمد القاضي - رحمه الله - في ترجيحات قواعد جمة أظهرها:

1- الترجيح بنظائر القرآن.

2- الترجيح بدلالة السياق.

3- الترجيح بالظاهر ما لم يعارضه نصٌّ أقوى يوجب العدول عن الظاهر.

4- تقديم الحقيقة الشرعية على اللغوية، وتغليب استعمال القرآن على ما سواه من الدلالة الوضعية.

5- تقديم الحقيقة العرفية على اللغوية أيضًا.

6- الأخذ بمتواتر القرآن عند الاختلاف بين المتواتر والشاذ.

7- تقديم العموم على الخصوص، ما لم يقم دليل يقتضي الخصوص.

8- تقديم الإحكام على القول بالنسخ ما لم تتوفر شرائط النسخ، إذ الأصل الإحكام، والنسخ فرع.

9- تقديم التخصيص على النسخ أيضًا ما لم يثبت برهان النسخ للعلة المتقدمة.

10- الترجيح بالأسباب الصحيحة الصريحة (أسباب الن-زول).

11- الترجيح بالسنة سواء أكانت نصًا في تفسير الآية أو كانت في معنى أحد الأقوال التفسيرية في وجه الآية.

12- الترجيح بتفاسير الصحابة وأقضيتهم ما لم يثبت دليل أعلى وأقوى.

13- الترجيح باللغة فيما سبيله ذلك.

 

4- بعض مميزات القاضي في هذا الكتاب.

امتاز كتاب القاضي بميزات سبقت الإشارة إلى أصولها عند الحديث عن مادة الكتاب العلمية وتفصيلها فيما يلي:

1- عَرَض القاضي مادة الكتاب بأسلوب سهل وواضح، يغلب عليه الاختصار في عامة مباحثه.

 

2- إسهابه في إيضاح المسائل عندما يقتضي الحال ذلك؛ فيبسط القول بقدر ما تنجلي به المسألة ويتقرر الخلاف فيها.

 

3- إفصاحه عن الراجح مقرونًا بالدليل في غالب الأحيان، وإن ذكر ترجيحًا دون ذكر مسوغه فإنما يفعل ذلك طيًا له لظهوره عند العلماء.

 

4- اعتماده أصول الأدلة في الاستدلال والترجيح بصفة مُطَّردة.

 

5- اعتماده صحيح الأخبار في الاستدلال غالبًا، والنص على الضعيف منها، بل والتحذير من الأخذ بها.

 

6- تَخَلِّيه عن رِبْقَة التقليد، وأخذه بالدليل ما استقام له، ولو اقتضى ذلك مخالفة إمامه مالك، وموافقة غيره من الأئمة.

 

5- بعض المآخذ عليه.


يؤخذ على القاضي - رحمه الله - حِدَّته أحيانًا وقسوته على المخالفين، وإطلاقه العبارات اللاذعة تارة، والساخرة أحيانًا أخرى في حق الأئمة الأعلام كأبي حنيفة والشافعي - رحمة الله عليهما -، وقد كان - رحمه الله - مندوحة عن التلفظ بسيئ القول، مما لا يشبه مقامه ومنصبه. وغفر الله لنا وله.

 


[1] من مقدمة الإمام ابن جزي لكتابه التسهيل ص / 2.
[2] مادة ( نخل ) تدل على انتقاء الشئ واختياره، ومنه يقال: نخل الشئ وانتخله؛ أي استقصاه حتى أخذ أفضله. ينظر: مقاييس اللغة 5/ 407، مختار الصحاح ص/ 651
[3] مادة ( نقح ) تدل على تنْحِيتِ شيئ عن شيئ، ومنه يقال: شِعْر منقح أي مهذّب، وملقىً عنه ما لا يصلح فيه. ينظر: مقاييس اللغة 5/ 467، مختار الصحاح ص/ 675




 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • ترجيحات الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه "الروح" دراسة وتحليلا(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • ترجيحات الإمام الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ترجيحات الإمام القرطبي في التفسير(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • صدر حديثاً كتاب (دراسات في قواعد الترجيح المتعلقة بالنص القرآني في ضوء ترجيحات الرازي)(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • ترجيحات الشنقيطي في أضواء البيان من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الأنعام جمعا ودراسة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • ترجيحات الشنقيطي في أضواء البيان من أول سورة الأعراف إلى آخر سورة الكهف جمعا ودراسة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • منهج الإمام الشاطبي في الفتوى من خلال كتاب: (فتاوى الإمام الشاطبي) (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • التراث العلمي عند الإمام الصالحي الشامي من كتابنا: الإمام الصالحي الشامي حياته وتراثه العلمي(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • ترجمة الإمام الصالحي الشامي من كتابنا: الإمام الصالحي الشامي حياته وتراثه العلمي(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • ترجيحات وأحكام الشوكاني وفوائده التدبرية في تفسيره فتح القدير "سورة النمل" (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب